ثقافة فاضل الجعايبي: في المسرح الوطني، شهائد «مضروبة» وأموال منهوبة!
منذ أسابيع فتحت الراديو على أمواج «معانا بدات الحكاية» أي أمّ الإذاعات، فوجدت الزميلة أماني بولعراس، تلك الإذاعية الحريصة على انتقاء مدعوّيها، في حوار مع المسرحية المبدعة جليلة بكّار، فانتشيت أيّما انتشاء إذ كان الحديث مثريا راقيا ممتعا، وهل ذلك بغريب من قامة مديدة مثلها خبرت خشبة الفن الرابع وقدرها الفنّي مرتبط بها منذ عقود..
ومنذ أيّام قليلة، فتحت راديو السيّارة على الموجات نفسها فوجدت مرة أخرى أماني في حوار ثقافي، وأمّا ضيفها فهرم من أهرامات المسرح، ومن أقصد غير فاضل الجعايبي مدير المسرح الوطني.. ومن حسن حظي أن وجدت الجعايبي يتحدث عن مؤسّسته فإذا به يرسم صورة في منتهى القائمة عنها، فقد وجد المسح الوطني «خارب من بابو لمحرابو»، فبعض الذين ينتمون إليه دلّسوا شهائدهم العلميّة ليرتقوا في السلم الوظيفي، وهؤلاء الذين ضبطوا اليد في السلّة ـ كما يقول الفرنسيّون ـ سيقاضون بتهمة التدليس، والتمارض خبز يوميّ، وأغلب المتغيّبين يقدّمون شهائد طبّية مغشوشة، إذ عادة ما يكون الطبيب متواطئا مع طالب الخدمة.. وبما أنّ «الماء سارح ع البطّيخ» فهناك من يكتفي بالحضور لساعة أو حتى أقلّ، قبل أن ينسحب ولا حسيب ولارقيب و«يخلف على رزق البيليك».
وقد زادت الترويكا زمن حكمها على همّ المسرح الوطني، فتمّ انتداب كثيرين بغير حقّ، كما وقع ترسيم من لا يستحقّ ذلك، وهو ما زاد في انخرام الوضع المالي للمؤسّسة وتفاقم خسائرها..
ونمرّ الى السرك، فلئن كانت فكرته جيّدة وحتى رائدة، والفضل في ذلك يعود ـ طبعا ـ الى المدير السابق محمد ادريس، فان بعض «البزناسة» وظّفوه لجني أرباح يضخّمون بها أرصدتهم البنكيّة، فهم يقدّمون عروضا في «السقارة» (على حدّ تعبير فاضل) أمام الفضاءات التجارية وفي مدن الألعاب للأطفال وفي أيّ مكان يضمن الاقبال الجماهيري ولا تسل عن السرقات والتحيّل واستغلال المنصب.. كلّ هذه «الخرمة» استوجبت عملية تطهير لم ينجح فيها فاضل الجعايبي الاّ بفضل ما وجد من مساندة من بعض المخلصين للمسرح الوطني، لا من دخلاء التحقوا به ليمتصّوا دمه ويبتزّوه..
وأقفل بهمسة في أذن أماني بولعراس: لقد كان بودّنا ألاّ تغسلي قدميك وتدخلي، فمحاورة مبدع ذي مشروع مسرحي، لا مجرّد مسرحي، تقتضي الاستعداد جيّدا والنبش في أعماله وماضيه، وأمّا الاكتفاء بمجاراة الحديث و«استنباط» أو استلهام الأسئلة منه، فغير مقبول، خاصّة من إعلاميّة متمرّسة وعلى درجة من الحرفيّة مثلك.. ورغم ذلك فقد كان الحديث شائقا رائقا فشكرا لك أماني على سلامة ذوقك وطوبى لك بصوتك الرّقيق الخجول.
نجيب الخويلدي